هديل الحياة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

هجرة الرسول(ص) تاريخ ولادة أمَّة الإسلام والسلام

اذهب الى الأسفل

هجرة الرسول(ص) تاريخ ولادة أمَّة الإسلام والسلام Empty هجرة الرسول(ص) تاريخ ولادة أمَّة الإسلام والسلام

مُساهمة من طرف أبو أحمد 27/11/11, 07:39 am


يستقبل المسلمون في الأوَّل من شهر محرّم سنةً هجريّةً جديدة، السنة الألف وأربعمائة وثلاث وثلاثين للهجرة؛ هجرة رسول الله(ص) من مكّة إلى المدينة الّتي كانت تُدعى يثرب..
تاريخ ولادة أمَّة الإسلام
والتّاريخ الهجري بالنِّسبة إلى المسلمين، لم يكن الهدف منه انتماء السنة إلى رسول الله(ص)، لذا فهو لم يؤسَّس بناءً على يوم ولادة الرَّسول، بل أُسِّس على يوم ولادة الأمَّة ومبعثها؛ أمَّة لا إله إلا الله ، محمَّد رسول الله.
فالتَّاريخ الهجريّ هو تاريخٌ لتأسيس الأمَّة، عبر الانتقال من حال الأفراد ـ كما كان المسلمون في بدء الدّعوة في مكّة ـ إلى حال نواة الدَّولة أو الأمَّة الإسلاميّة في المدينة. ومن هناك، من يثرب، كانت البداية لأمَّةٍ وصل تعدادها اليوم إلى مليار مسلم، ممتدّةً من الشّرق إلى الغرب في أرجاء الكرة الأرضيّة كلّها. فكيف لا يكون ذلك التَّاريخ هو منطلق التَّقويم، ليس للمسلمين فحسب، بل للإنسانيَّة جمعاء؛ يوم صار العبد أخاً للحرّ، والأعجميّ أخاً للعربيّ، والفقير أخاً للغنيّ؛ إنَّه اليوم الّذي كُرِّس فيه الإنسان إنساناً، بصرف النَّظر عن لونه وعرقه ولغته...
وبالعودة إلى مناسبة التّاريخ الهجريّ، نشير إلى أنَّه قد ابتدأ احتساب هذا التّاريخ بعد وفاة رسول الله(ص)، وبإشارة من أمير المؤمنين(ع). واعتُمِد هذا التّقويم في كلِّ الرَّسائل والمعاملات والتَّدوين على امتدادِ فترةِ تكوّنِ الأمَّة الإسلاميّة ونهوضها وازدهارها، ولم نشهد التَّراجع عن اعتماده إلا عندما دخلت الأمَّة ـ للأسف ـ في مرحلة انحدارٍ وانكسارٍ، ما اضطرَّها للاستغناء عنه تدريجيّاً، واعتماد تاريخ الشّعوب الأخرى..
أسباب الهجرة
وبالعودة إلى مناسبة الهجرة، نحن بحاجةٍ إلى أن نتوقَّف قليلاً أمام هذا الحدث والظّروف الّتي هيَّأت لحصوله...
فبعد فترة جهادٍ قاسية في بدء البعثة النَّبويَّة، أدرك الرَّسول(ص) أنَّ مكَّة لن تكون الملاذ الآمن له ولأصحابه، في ظلِّ ممارسات قريش وضغوطها، لذا دعا بعض أصحابه أن يهاجروا إلى الحبشة، ليعيشوا في ظلِّ الحاكم العادل النّجاشيّ، فيما بدأ هو يعدّ العدّة لبناء قاعدة إسلاميَّة له في مكانٍ آخر...
وقد سعى أوّلاً إلى أن يكون هذا المكان الآمن في الطّائف، لكنّ قريش لاحقته إلى هناك، وأثارت الأجواء فيها ضدّه، فلاحقوه حتّى أدموا قدميه، فعاد رسول الله(ص) إلى مكّة، حيث تابع اللّقاء بالوافدين إليها رغم المعاناة، على أمل أن يجد أرضاً تحتضن رسالته غير مكّة، فشاء الله له أن يلتقي بوافدين من يثرب، والّتي سميت بالمدينة المنوَّرة، وكانوا اثني عشر رجلاً، آمنوا برسالته وبايعوه على أن لا يشركوا بالله، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، وأن يساعدوه في أداء رسالته...
وبعد مدَّة، عاد هؤلاء إلى مكَّة وقد بلغوا ثلاثاً وسبعين رجلاً، وكانت يومها البيعة الّتي سميت ببيعة العقبة الثَّانية، على أن يحموه ويمنعوه ما يمنعون منه نساءهم وأولادهم... ووعدهم رسول الله(ص) بأن يهاجر إليهم في الوقت المناسب عندما يأذن له الله بذلك، وأرسل معهم في ذلك الوقت أحد أصحابه الخلّص، وهو مصعب بن عمير، ليعلِّمهم القرآن، ويدعو أهل يثرب إلى الإسلام لبناء قاعدةٍ إسلاميَّة قويَّة...
ومنذ ذلك الوقت، بدأ رسول الله يدعو المسلمين الّذين يتعرَّضون لضغوط قريش ولا يقوون على مواجهتها، إلى أن يهاجروا إلى المدينة..
مؤامرة اغتيال الرّسول(ص)
وشعرت قريش بالخطر لهذا (التَّكتيك) الّذي اعتمده رسول الله، واستنفرت لتستبق الأمر. وفي شهر ربيع الأوَّل من السّنة الثَّالثة عشرة من البعثة، تداعى رجالات قريش وزعماؤها للتَّشاور في أمر رسول الله(ص)، وكان اجتماعهم في دار النَّدوة، الّذي كان يخصَّص لإطلاق القرارات الصَّعبة..
وقد بدأ وقتها أبو جهل بالكلام، فتحدّث عن الخطر المحدق بقريش ما دام رسول الله يتمتّع بالحريّة، وشدّد على أنّه لا بدّ من أن يُقتل أو يُحبس أو يُبعد..
وبعد مداولاتٍ عدَّة، استقرَّ الرّأي على أن تتشارك كلُّ بطون قريش ـ أي عشائرها ـ بقتل الرَّسول، فلا يستطيع عندها بنو هاشم وبنو المطَّلب، وهم عائلة النّبيّ، مواجهة قريش بأكملها، فيقبلون بالدّية وتنتهي القضيَّة عند هذا الحدّ...
ولكنَّ الله يأبى إلاّ أن يتمَّ رسالته، فقد انفضَّ الاجتماع على هذا الرّأي، وبدأ الإعداد لاغتيال رسول الله(ص) وقتله وهو نائم على فراشه.
وفي تلك اللَّيلة، أخبر ملك الوحي جبريل رسول الله بالأمر، وأمره بالاستعداد للهجرة، وأنَّ الأوان قد آن لها..
لكن كيف الخروج، وقريش تُراقب فراش رسول الله(ص)، وستعرف بخروجه، وستلاحقه وتمنعه من الخروج من مكَّة، لذلك كان لا بدَّ من أن يبيت شخص في فراش النَّبيّ ليؤمِّن انسحابه من مكَّة.
ولم يكن غير عليّ.. فدائيّ الإسلام، والمستعدّ دائماً للتَّضحية في سبيله، المؤهَّل للقيام بهذه المهمّة الخطيرة والاستشهاديّة. وأخبر رسول الله عليّاً بالأمر، فلم يتردّد(ع) وسأله: أوَتسلم يا رسول الله بمبيتي على فراشك؟ قال له رسول الله(ص): نعم. فتبسّم عليّ(ع) وقال: امضِ لما أمرك الله به، راشداً مهديّاً، فداك سمعي وبصري... فوالله لا أبالي أوقعت على الموت أم وقع الموت عليّ..
في تلك اللَّيلة، رقد عليّ(ع) في فراش رسول الله(ص) مطمئنّاً.. وعندما مضى شطر من اللّيل، حاصر أربعون رجلاً من صناديد قريش بيت رسول الله، وقد جرَّدوا سيوفهم ينتظرون الهجوم.
وما إن لاح لهم ضوء الفجر، حتّى هاجموا فراش رسول الله ليهووا بسيوفهم عليه، عندها هبّ علي(ع)، فصُعق القوم وتفرّقوا مذعورين..
واستنفرت قريش مجدَّداً، فلم تضيِّع الفرصة، بل أرسلت فرسانها وشبابها للبحث عن رسول الله في فيافي الصّحراء، والرّسول مطمئنّ في غار ثور.
وتتبَّع هؤلاء آثار قدمي الرَّسول ومن معه، ووصلت جماعة إلى فم الغار، وكانت مشيئة الله أن تقف رحلة البحث عن الرَّسول(ص) عند هذا الحدّ. فما الّذي حدث؟ لقد نسجت عنكبوت خيوطها على باب الغار، وباضت حمامة عنده، ومن غير المعقول أن يكون محمَّد قد دخل الغار من دون أن تنقطع خيوط العنكبوت، أو تغادر الحمامة مكانها.. وإلى هذا أشار الله سبحانه: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[التّوبة: 40]
مكث الرَّسول في الغار ثلاثة أيّام مع صاحبه، ثم تابع رحلته حتّى وصل إلى مشارف المدينة، حيث استقبله أهلها بأسمى كلمات التَّرحيب:
طلع البدر علينا من ثنيّات الوداع
وجب الشّكر علينا مرحباً يا خير داع
أيّها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
جئت شرَّفت المدينة مرحباً يا خير داع
التّأسيس للمجتمع الإسلاميّ
وفي المدينة، بدأ رسول الله يعدّ العدّة؛ بنى المسجد، آخى بين المهاجرين والأنصار، قوَّى دعائم المجتمع الإسلاميّ، وواجه به تحدّيات المنافقين واليهود والمشركين، ثمّ عاد إلى مكّة فاتحاً، وبدأ النَّاس يدخلون في دين الله أفواجاً.. وأخذت المسيرة الإسلاميَّة تشقّ طريقها في أرجاء العالم، تصنع فيها حضارة المادَّة والرّوح، وبدأ فجر جديد من تاريخ البشريَّة..
أيّها الأحبَّة، هذه هي مناسبة بداية التَّاريخ الهجريّ، وهذه البداية لم تكن رحلةً لتنتهي في المدينة، ولا هي هزيمة أو هروب، بل هي تعبير عن عزيمة وقوَّة، حيث شهدنا كيف ترك رسول الله والمسلمون أرض مكَّة الّتي أحبّوها، حتَّى قال رسول الله(ص) وهو يغادرها: "لولا أنَّ قومكِ أخرجوني منكِ ما خرجت".
تركوها لأجل أن يمتدَّ الإسلام ويقوى ويملك الحريَّة، كانت العقيدة بالنّسبة إليهم أغلى من الأرض، والتَّوحيد أسمى من الدّيار، والإيمان أسمى من الأوطان، والإسلام خير من القناطر المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث وكلّ متاع الدّنيا..
ولذلك خاطبهم الله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[البقرة 218]. {وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}[النّحل: 41]...
التّأريخ الهجريّ تأكيد للهويّة
أيّها الأحبّة، كي نستطيع أن نؤكِّد كلّ هذه المعاني الحيّة لهجرة النّبيّ وجهاده، وكي يبقى التّاريخ حيّاً وحاضراً في كلّ الزّمن، لا بدّ من أن نؤكّد اهتمامنا بهذا التّاريخ وبكلّ مفرداته، ومن هنا، ندعو المسلمين إلى التمسّك بالتّأريخ الهجريّ، وليس ذلك من منطلق العقدة من أيّ تقويمٍ أو تأريخ آخر، ولا سيَّما تلك الّتي ترتبط بأنبياء ورسُل، بل هو تأكيد لشخصيَّتنا الإسلاميّة، لرّساليّتنا، لحركتنا، لقرآننا...
يقول الله في محكم كتابه: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ...}[التّوبة: 36]..
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}[يونس: 5]..
إنَّ قيمة التّقويم أو التَّأريخ ليس في عدّ أيّام السّنة وشهورها، بل في أنّه يسبغ معنى على أيّامها وشهورها، وهو وعاء لأعيادها ومناسباتها، وبالتَّالي، هو جزء من تراثها وتقاليدها.
ولكن مع الأسف، لقد أصبح التّأريخ الهجريّ غريباً في بلاد المسلمين..
ولننظر كيف يحتفل العديد من البلدان العربيَّة والإسلاميَّة بعيد الميلاد، بينما يمرّ أحياناً رأس السّنة الهجريَّة بدون أن يشعر به كثير من النّاس. نحن ندرك أنَّ الاحتفال بمظاهر الفرح يتناقض مع حزننا الّذي نعيشه بمناسبة عاشوراء الّتي تتزامن مع بداية السَّنة، ولكن ليس إلى درجة أن نسقط مناسبة هجرة رسول الله من وجداننا، وبالتَّالي من ذاكرتنا. هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ الاحتفال ببدايات السَّنة لا يكون بأن نقوم بما اعتدنا عليه من أجواء عبثيّة ولاهية، بل ينبغي أن يكون فرصةً للتدبّر والتفكّير والتّخطيط..
ويكفي أن نجري إحصائيّةً في أيّ مدرسة أو حيّ أو بلد عربيّ، لنجد أنّ الكثيرين لا يعرفون في أيّ سنة هجريّة نحن، أو في أيّ شهر، ولنجد أنّ الكثيرين لا يعرفون حتّى متى هاجر الرّسول(ص) من مكّة، أو حتّى أسماء الشّهور الهجريّة.
المسألة ليست مسألة حفظ أسماء، إنّها أعمق من ذلك؛ ما نعنيه هو تربية حسّ الانتماء إلى تاريخنا الإسلاميّ، بحوادثه ومواقيته ومحطّاته، كمدخلٍ لتربية إيمانيّة، وتربية أولادنا تربيةَ إسلاميّةَ لها جذورها، وبذلك يتعمَّق ارتباطنا بتكاليفنا الدّينيَّة ومسؤوليّتنا الشّرعيّة، إذ ترتبط بهذا التّاريخ عبادات الصَّوم والحجّ، وعيدا الفطر والأضحى، وعليه يتأسّس بداية التكليف الشّرعيّ، وغير ذلك..
لتوحيد بدايات الشّهور
أيّها الأحبَّة، في مقام الحديث عن الأشهر القمريَّة والسّنة الهجريَّة، وحرصاً على الأخذ بها، لا بدَّ لنا من أن ندعو مجدّداً إلى اللّقاء العلميّ والفقهيّ والاجتهاديّ، من أجل توحيد بدايات الأشهر القمريَّة، لأنَّ غياب ذلك هو من المعوّقات الأساسيَّة عند المسلمين الّذين باتت تحتاج حياتهم إلى المزيد من العملانيَّة والتّيسير، وليس إلى التَّعقيد.. والبعض قد ينأى عن الأخذ بالأشهر الهجريَّة، كونها غير متَّفق عليها، فهناك من يرى مثلاً يوم غد هو بداية شهر محرّم، وآخرون بعد ذلك، ما يربك الدّول والمؤسَّسات..
لهذا ندعو الجميع، من الفقهاء والعلماء، إلى العمل الجادّ لتوحيد الرّؤية في بداية الأشهر، والأمر ليس عسيراً إن بذلت الجهود لتحقيقه، وستكون النّتيجة توحيد النّاس، وحفظ نظامهم، وتيسير حركتهم، وإدارة شؤون حياتهم، وفق تأريخ ينتمون إليه ويفخرون به، ما يزيدهم أصالةً وثباتاً..
أيّها الأحبّة، ونحن نقبل على سنة هجريّة جديدة، نسأل الله أن يوفّقنا ويمدّ في أعمارنا بطاعته ورضاه، وندعوه إلى أن يوحّد كلمة المسلمين، ليظلّوا يداً واحدةً يشرق فيهم الإسلام، وتضيء رسالته خيراً عليهم وعلى الإنسانيّة جمعاء.
أبو أحمد
أبو أحمد
------------------
------------------

برج الحوت عدد المساهمات : 1054
نقاط : 3083
تاريخ التسجيل : 26/12/2010
الموقع : العراق

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى