هديل الحياة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تأملات في آيات من القرآن الكريم

اذهب الى الأسفل

تأملات في آيات من القرآن الكريم Empty تأملات في آيات من القرآن الكريم

مُساهمة من طرف زهرة الكويت 12/12/22, 01:14 am

تأملات في آيات من القرآن الكريم

"سورة الإسراء"


1 - ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].

سرَى بمعنى سار وانتقل، وليست همزة أسرى للتعدية، في مثل قولنا: أشرب وأسقط وأعلم؛ أي: جعله يشرب ويسقط ويعلم، فليس المقصود جعله يسري، بل الكلمة مرادفة لسرى، وتدل في أصل وضعها على الحركة ليلًا، ومع أنها لا تستعمل إلا للدلالة على الحركة في هذا الوقت، فقد نص القرآن الكريم على الزمن بـ: ﴿ أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا ﴾ [الإسراء: 1]، وذِكر الليل في الآية الكريمة توكيدٌ لمعنى الزمن الذي تحتويه كلمة أسرى، أو إنه وقد جاء نكرة أفاد معنى التبعيض؛ أي: أسرى بعبده في جزء من الليل، وأن الإسراء لم يستغرق الليلَ كله.

والليل بظلمته وانعدام أو ضعف الرؤية فيه يجعل تجلي الأشياء وتبيُّنها بوضوح أمرًا غير يسير في أقل الأحوال، وكان من الممكن لو أن الرحلة تمت نهارًا أن يعزوَ السامعُ رؤيةَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمشاهد الأرضية إلى الضياء الذي يتيحه النهار، ولكن الرحلة جرت في الليل وفي الظلام الذي يتضاءل التبيُّن فيه إلى درجة كبيرة، فلم يكن خرقُ المكان بطيِّ مسيرة شهر أو أكثر بين مكة المكرمة وبيت المقدس في لحظة هو الخرقَ الإعجازي الوحيد الذي ذكرته الآية، بل أضيف إليه خرق آخر، هو الرؤية الجلية في الظلام الدامس، وسر هذا الخرق المزدوج كامن في قوله تعالى: ﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ﴾ [الإسراء: 1]، فلا بد من نور لكي تكون الرؤية حاصلة، والنور الذي رأى به رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن نور الشمس الذي يعتمد عليه الناس في إدراكهم البصري، بل نورٌ خاص لا يتقيد بليل أو نهار.

واختتام الآية الكريمة بقوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1] له علاقة بهذه المسألة؛ فإن ما أُسري بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من أجله كان آياتٍ اجتمع في استجلائها السمع والبصر، وانطوت الرحلة في مراحلها المختلفة على الكلام والحوار، ثم المعاينة، وقد روت كتب الحديث الشريف التفصيلات الدالة على هذا النسق، كما أن تقديم السمع لم يكن لأهميته وأولويته من بين الحواس، كما قال الكثيرون، بل لأن عملية الإدراك في الليل - وخاصة يومئذ - كانت عن طريق السمع؛ فكان تقديم ﴿ السَّمِيعُ ﴾ [الإسراء: 1] هو الأنسبَ.

وذكر علماء التفسير أن الله تعالى قال: ﴿ أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ [الإسراء: 1]، ولم يقل: أسرى بنبيِّه أو برسوله؛ لأن العبودية أسمى مقامٍ، ولا شك في صحة ما ذهبوا إليه، وفي أن العبودية لله تعالى مقام لا يدانى، ولكن ﴿ بِعَبْدِهِ ﴾ [الإسراء: 1] هنا - فيما يظهر - كان للإشعار بمعنى إضافي، وهو أن إكرام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإسراء كان لاستكماله معنى العبودية في ذاته الشريفة، وهو لا يخرجه عن إطار العبودية، فلا يُغلَى فيه كما غلا النصارى في عيسى ابن مريم عليه السلام.

﴿ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ [الإسراء: 1]، وكون البركة حول المسجد الأقصى يعني أن المسجد نفسَه هو مركز هذه البركة، ولو كان النص على سبيل الافتراض: باركنا فيه، لكانت البركة في المسجد وحده، ولَمَا تمدد إلى أطرافه، وأما ﴿ حَوْلَهُ ﴾ [الإسراء: 1] فأشمل لرقعة البركة التي أودعها الله تعالى في هذا الموضع.


وليست البركة ثمارًا وفواكه في تلك المنطقة، كما ذهب إلى ذلك عددٌ من المفسرين؛ لأن بركات الأرض موجودة في كل مكان، ولكنها بركة الإيمان والنور، ولهذه الخَصيصة كان المسجدُ الأقصى أحدَ المواضع التي تُشدُّ إليها الرحال للتعبُّد.


2 - ﴿ وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 2، 3].

والرابط بين هذه الآية والآية السابقة هو أن النبيَّيْنِ محمدًا وموسى عليهما الصلاة والسلام نُقلا من مكانهما ليَرَيَا آيات الله، وكان نقل موسى عليه السلام لمسافة قصيرة قطعها بنفسه فتلقى النبوة، ورأى العصا التي انقلبت إلى حية تسعى، ويده التي خرجت بيضاء للناظرين، وكان نقل رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة البراق، وبصحبة جبريل عليه السلام، وبعد النبوة، والتقى بالأنبياء السابقين في المسجد الأقصى، وصلى بهم، ورأى في عروجه عليه الصلاة والسلام إلى السماء ما وصفه الله تعالى بالآيات الكبرى.

وحصل انتقالُ هذين النبيَّيْنِ عليهما الصلاة والسلام من موضعيهما في خلال الليل الذي هو أدعى أن تستأنس الرُّوحُ فيه ببارئها سبحانه، وتسكن إليه، وقد يعكس اختلاف المسافة التي قطعاها نوعَ المهمة التي أوكلت بكل منهما، ولأن مهمة موسى عليه الصلاة والسلام كانت موجهة إلى قومه، أو إلى الناس في زمنه، فإن استقدامه كان من مسافة قريبة، حتى إنه حين آنَسَ نارًا أَمِنَ على أهله أن يمكثوا في موضعهم وينتظروا عودته، ولم يدرِ أن ما رآه إنما يستقدمه للنبوة؛ ﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ [طه: 9 - 13].


وأما رحلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى بيت المقدس، ومنه إلى السماء، حيث بلغ ما لم يبلغه ملَكٌ مقرَّب - فقد كانت بعد نبوته، وقد علم قبل الرحلة بما هو مقبِل عليه، وتحمل هذه الرحلة المكانية طيَّ المكان، وهو ظاهر، وطي الزمان أيضًا؛ لأنها تستغرق في المألوف زمنًا طويلًا من جهة، ولأن في مشاهدها ما كان مرتبطًا بالزمن في ماضيه، وهو التقاء النبي عليه الصلاة والسلام بالأنبياء السابقين، وبمستقبله، كمشاهد الجنة والنار، وعِظَم مساحة الرحلة - مكانيًّا وزمانيًّا إذا جاز القول - يعكس، والله أعلم، شموليةَ دعوته عليه الصلاة والسلام لكل زمان ومكان، على خلاف دعوة موسى عليه السلام، التي كانت مقيدة بهما.

﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا ﴾ [الإسراء: 3] بنصب ﴿ ذُرِّيَّةَ ﴾ [الإسراء: 3] على النداء؛ أي: يا ذرية مَن حملنا مع نوح، وهذا هو أكثر الأقوال (معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3: 226)، ويجوز النصب على معنى: ألا تتخذوا ﴿ ذُرِّيَّةَ ﴾ [الإسراء: 3] مَن حملنا مع نوحٍ من دوني وكيلًا، فيكون الفعل تعدى إلى الذرية، وإلى الوكيل (المصدر السابق).


وقد يبدو أن إشكالًا ما يمكن أن يحصل بين هذه الآية التي تَعني بنصب ﴿ ذُرِّيَّةَ ﴾ [الإسراء: 3] فيها على النداء: أن بني إسرائيل لم يكونوا من ذرية نوح عليه السلام، بل مِن ذرية مَن كان معه في السفينة - وبين قوله تعالى في سورة الصافات: ﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الصافات: 75 - 80] التي تنص على أن مَن بقي على الأرض هم ذريةُ نوح عليه السلام.

وتكلَّم بعض علماء التفسير على هذه المسألة، فقيل: إن مَن كان مع نوح لم تكن لهم ذرية، أو أن عقِبهم انقطع، أو أن من كان على السفينة كان من ذرية نوح عليه السلام: أولاده وأحفاده.

ويرتفع هذا الإشكال، والله أعلم، بالنظر إلى: ﴿ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ﴾ [الصافات: 77]؛ إذ إن "جعل" تفيد الصيرورة؛ فقد كان لنوح ولِمَن معه ذرية، ولكن ذرية نوح عليه السلام هي التي بقيت فيما بعد، وصار انتساب الناس إليه، وأما ذراريُّ الآخرين فقد تلاشَوا بمرور الزمن، ولا يتعارض مع هذا قوله تعالى: ﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ﴾ [الإسراء: 3]؛ لأن أبناء نوح عليه السلام الذين تحدَّر منهم الناس، وهم سام وحام ويافث، كانوا ممن حملهم نوح معه في السفينة و وقوله تعالى: ﴿ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ﴾ [الإسراء: 3] ينصرف إليهم، ولا يعني أن الذرية المخاطَبَين هم من غير هؤلاء الثلاثة، والله أعلم.

• ويذكِّر الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل بنعمة نجاة آبائهم الذين كانوا مع نوح عليه السلام من الغرَق، وبنعمة نجاتهم هم من مطاردة فرعون لهم، ومن الغرق أيضًا.
وهاتان النعمتان تقتضيان الشكر؛ اقتداءً بالأنبياء، كما كان نوح عليه الصلاة والسلام ﴿ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 3] لنِعَم الله تعالى عليه، ولإنجائه ومَن آمن معه في الطوفان، ولكن الله تعالى أعلَم بني إسرائيل أنهم سيتنكبون عن خط الأنبياء، فبدلًا من أن يشكروا، اقتداءً بنوح عليه الصلاة والسلام، فإنهم سيُفسدون مرتين معلم سيراميك ، وكأنهم يقابلون النعمتين، نعمة إنجاء آبائهم ونعمة إنجائهم هم، بمفسدتين! ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 4]، وأخبَرهم الله تعالى بأن إذلالهم الذي سيقع عليهم ناجمٌ عن إفسادهم، والمراد من ذلك هو تنبيه المسيء الغافل منهم إلى ما هو عليه، فيرتدع ويؤوب إلى الله تعالى، وهذا من رحمته سبحانه، وإذا لم ينتبه المسيء إلى دلالة العقوبة العاجلة، ولم تتفتَّح بصيرته، وظل يعاود ظلمه - فإنه ليس له عندئذ غيرُ جهنم؛ ﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 5 - 8].


وليست الرحمة كامنة فيما هو عقوبة في الظاهر وحسب، بل لها أبواب أخرى، فتحها الله تعالى لبني إسرائيل ولغيرهم، ومنها هذا القرآنُ الذي نزَّله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9].

ومِن أبواب الرحمة أيضًا: عدم استجابة اللهِ تعالى لبعض دعاء الناس؛ إذ يَدْعون بالشر على أنفسهم وأهليهم، ومنها مشاهد كونية؛ ليهتدي بها الإنسان إلى الصرط المستقيم، ولأن هذه الأبواب وغيرها تعُمُّ الناس جميعًا، وليست مخصوصة ببني إسرائيل - جاءت الآيات التالية تخاطب هذا العموم: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ﴾ [الإسراء: 9 - 11].

زهرة الكويت
عضو ذهبي
عضو ذهبي

عدد المساهمات : 340
نقاط : 1020
تاريخ التسجيل : 19/09/2022
الموقع : مصر

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى